الخميس، 24 ديسمبر 2009

الحجاج بن يوسف الثقفي المفترى عليه

الامير الحجاج بن يوسف الثقفي المفترى عليه من قبل روافض الصفويه




!!!

يلاحظ الدارس أن العصر الأموي لم ينل حقه من الإنصاف وخاصة الحجاج الذي وُصِف بكل رذيلة وجُرّد عن كل فضيلة، علماً أنك إذا نظرت في سياسته وجدته سائساً لا يخدع، ومقداما لا تشق عصاه وخصما يدين له الأعداء بالتسليم والإذعان، وإذا بحثت في إدارته وجدته إدارياً حازماً، وإذا قصدت تدينه وجدته زاهداً ورعاً، وإذا طلبت منه علماً وجدت جودة حفظ القرآن الكريم والحديث الشريف إلى علم بالأحكام، وإذا طرقت باب إصلاحه وجدته من أعظم المصلحين، قد مثَّل دوراً عظيماً من أدوار حياة الأمة الإسلامية فجمع كلمتها ونظم جهادها وقرر مصيرها.

كانت ولاية الحجاج للعراق تتطلب حزماً وعزماً؛ فقد كان عصره يموج بالثورات والاضطرابات؛ فأعاد الجماعة السياسية في الدولة مرة ثانية.
ولي شؤون العراق بعد فتنة الزبير التي كادت تأتي على الخلافة الأموية، وأبى أن يساهم مع المهلب بن أبي صفرة في حرب الخوارج الذين كانوا منتشرين في العراق يتربصون بالخلافة الدوائر.

فكان من الطبيعي أن يظهر بمظهر خشن وأن يلبس ثوب الأسد، وأن يعاملهم تلك المعاملة التي وصفت بالقسوة، وإن كانت - في نظري وفي نظر كل منصف – لا تستحق هذا الوصف، فقد أدب العصاة ووطّد أمور البلاد، وهل ينجح الساسة بغير هذا ؟؟
ويكفي إصلاحاته الإدارية وسياسته وفتوحاته التي لم تصل إليها البلاد لا من قبله ولا من بعده.
إذن:
لم كل هذا التجني على الحجاج والحكم عليه حكماً قاسياً من وصف بعدم التدين إلى اتهام بالوحشية حتى ليخيّل إلى القارئ أن الحجاج ليس من بني الإنسان ؟!!
لقد كان الحجاج ضحية المؤرخين الذين افتروا عليه شتى المفتريات تمشياً معه روح العصر الذي يكتبون فيه؛ ونرى أننا كلما ابتعدنا عن عصره كثرت المفتريات والأباطيل.
ومن الإنصاف أن نتكلم عن العصر الذي عاش فيه الحجاج، وعن وضع الدولة والشعوب التي وليها فيما بعد:
نشأ الحجاج في عصر بني أمية وهو عصر كان يعج بالثورات والفتن؛ لكثرة الأحزاب السياسية وتباغضها وتنافرها؛ حيث انقسم الناس بعد مقتل سيدنا عثمان- رضي الله عنه- إلى شيعة على رأسهم سيدنا علي بن أبي طالب- رضي الله عنه وأمويين على رأسهم سيدنا معاوية – رضي الله عنه-.

وكلنا يعلم أن تنافس هذين الحزبين على الخلافة وقضية التحكيم التي انتصر فيه سيدنا معاوية وعلى أثرها انقسم أصحاب سيدنا علي – رضي الله عنهم أجمعين- إلى فرقتين:
فرقة مصرته وآزرته وأخرى خرجت عليه وعلى معاوية ( الخوارج).
وواكب ذلك أحداث انتهت بمقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وانتهى الأمر بتنازل سيدنا الحسن عن الخلافة لسيدنا معاوية، وكان العراق في عهده من أنشط الأقاليم العربية في السياسة؛ إذ كان فيه قوتان كبيرتان من قوى المعارضة:
الشيعة ومقرها الكوفة( كانوا يرجفون ببني أمية ويلعنون معاوية على المنابر ويضايقون عماله ويطردونهم).
الخوارجفي الكوفة والبصرة وغيرهما(أخافوا الناس وزلزلوا الأمن في المدن والقرى).
وعلى أثر ذلك ظل هذا الأقليم منبع كثير من الأحداث والفتن فرماهم سيدنا معاوية بداهيتين من دهاة العرب:
المغيرة بن شعبة : ولي الكوفة، كان يرخي للناس حبل السياسة حتى يشدوه، فإذا رامو قطعه عاجلهم بضربة منه توقفهم عند حدهم، وأحياناً كان يتألف الخصوم بالمال، ولكن سياسة المسالمة لم تفد فقد اضطر أخيراً إلى أن يجرد سيفه من غمده، ولكنه مات سنة 50فضم معاوية الكوفة إلى زياد بن أبيه.
زياد بن أبيه: ولي البصرة وخرسان وسجستان، كان أشد من المغيرة وأقوى، وتدرك ذلك من قول في خطبته: < لين في غير ضعف وشدة في غير عنف، المحسن يجازى بإحسانه والمسيء يجازى بإساءته> وفي عهده سكنت الحالة في العراق حتى توفي سنة 53هـ فولي بعده ابنه عبيد الله.
وفي عهده كاتب العراقيون الحسين بن علي طالبين منه الحضور لمبايعته بالخلافة وزينوا له الأمر فسار إليهم وعندما وصل كربلاء خذلوه كما خذلوا علياً والحسن من قبل، وبعد ذلك خرجت منهم فرقة ( التائبين) برئاسة سليمان بن صرد لمحاربة قتلة الحسين، وتمكن المختار بن أبي عبيد من جمعهم فيما بعد لمحاربة قتلة الحسين، وتمكن من قتل معظمهم، ولكنه قتل على يد مصعب بن الزبير الذي كان العراق تحت إمرته.

انتهز عبد الله بن الزبير- وهو من أشد المنافسين للأمويين-فرصة مقتل الحسين، فقام مندداً بالأمويين وسياستهم، مرشحاً نفسه للخلافة، وتمكن من أخذ البيعة سنة 63، وقد صادفت دعوته نجاحا في الحجاز والعراق ومصر وظهر بذلك في الجو السياسي حزبٌ رابع هو حزب الزبيريين.
وفي هذه الأثناء حدث الانقسام في البيت الأموي وانتقلت الخلافة من الفرع السفياني إلى الفرع المرواني.

في هذه الحقبة قضى الحجاج طفولته سامعاً ومشاهداً لتلك الحوادث، وللشؤون السياسية والأحداث الاجتماعية الأثر الكبير في تكييف عقول الناس وأخلاقهم.
ولقد أثرت هذه الأحداث في نفسه تأثيراً كبيراً، وفي خضم هذا الجو الذي كان يعج بالثورات والفتن ولي الحجاج بن يوسف الثقفي قيادة الحملة التي وجهت إلى الحجاز ضد عبد الله بن الزبير، فانتصر عليه وأسندت إليه حكومة الحجاز، فتحمل المسؤولية مبكراً ملتمساً سبيل الشدة والحزم كي لا يسقط في إدارته سقطة لا تقوم له بعدها قائمة.


لم تطل إقامته بالحجاز فقد اختاره عبد الملك لولاية العراق.

وهنا تبدأ القصة :
من هي العرااااااااااااااااااااااااق ؟؟؟

1- إنها ذاك الإقليم الذي كان يعج بالثورات، فكان إذا ما ولي على أهله عامل لا يلبثون أن يطلبوا عزله، فهم كما وصفهم الأحنف بن قيس: (( كالمسومة تريد كل يومٍ بعلاً وهم يريدون كل يومٍ أميراً)) فإن لم يجابوا إلى ذلك قاموا بثورة.
وكان قد أدرك ذلك الداهية الكبير سيدنا معاوية فكان من وصيته لابنه يزيد: (( وانظر لأهل العراق فإن سألوك عزل عامل كل يوم فاعزله عنهم فإن عزل عامل واحد أهون عليك من سل مائة ألف سيف)).
ويكفيك قول سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - : (( حيّرني أهل العراق لا يرضون عن والٍ ولا يرض عنهم والٍ)).
2- ذلك الإقليم الذي كان من طبيعة أهله الغدر ومن سجيتهم الخيانة وعدم الوفاء، وعرفنا خيانتهم لسيدنا الحسين، التي خطبت بعدها أخته السيدة زينب- رضي الله عنها- ووصفت أهل العراق بالغدر والنفاق.
3-وكانوا مع مصعب بن الزبير ويكاتبون عبد الملك بن مروان بأن يحضر بجيشه، حتى إذا ما حضر غدروا بمصعب وسلّموه في ميدان القتال.
4- وبعد قتله وخروج زوجته السيدة سكينة بنت الحسين، قالوا: أحسن الله صحبتك يا ابنة رسول الله؛ فقالت: لا جزاكم الله خيراً من قومٍ ولا أحسن الله الخلافة عليكم، قتلتم أبي وجدي وعمي وزوجي، أيتمتموني صغيرة وأيمتموني كبيرة.
5- ذلك الإقليم الذي كان أهله يرتكبون الكبائر ويسألون عن حكم ارتكاب الصغائر، كما وصفهم أحد الناس: (( أسأل الناس عن صغيرة وأركبهم للكبيرة، يسألون عن قتل جرادة وقد قتلوا ابن بنت نبيهم)) !!!!
لذلك إذا استعرضت تاريخ العراق فإنك تدرك أنه لم يقم بالسيطرة عليها إلا أولي البأس الشديد، أمثال:
( المغيرة بن شعبة، زياد بن أبيه، الحجاج بن يوسف الثقفي، ...، وغيرهم)

استعرض الحجاج هذه الحال قبل أن يذهب للعراق، فرأى أنه إن أعرض سقط من حساب الأمويين وهيهات أن تقوم له بعد ذلك قائمة، فرأى أن يغامر بقبول المهم التي أسندت إليه ولكن بالسياسة التي لا يفهم غيرها أهل العراق، أوضح ذلك من خطبته الأولى (( إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها.. إن أمير المؤمنين قد نثر كنانته بين يديه فوجدني أمرها عوداً وأصلبها مكسراً فرماني بكم))
وهنا أفااااااق أهل الكوفة من سباتهم وأدركوا أن الأمر هذه المرة جد لا هزل.


وهنا يقف قلمي ليترككم تتأملوا في التحقيق الذي ذكرته عن حال العراق والظروف المواتية لتولية الحجاج العراق

ولي عودة، وأنا على استعداد لإجابتكم عن أي استفسار حول الموضوع
وليعلم الجميع أني لست محامياً عن الحجاج، بل أنا باحث مثلكم عن الحقيقة البراقة

=====================

الأخت ساعة صفا: تحية لتشريفك الموضوع، وبعد:
أولاً يجب أن نعلم أن تاريخنا يقع ضحية بين تزوير الأعداء وجهل الأبناء عن قصد أو دون قصد، وإذا نظرت في صفحات أمتنا الذهبية وجدت أنها أكثر الصفحات التي أثيرت حولها الشبهات، وبالمقابل تجدي بأن من عكّر صفو التاريخ يوصف بأنه بطلٌ وشجاع ويعتبر رمزاً في الأمة، وأخيراً لا يصح إلا الصحيح.
لذا عندما ندرس التاريخ ليكن شعارنا:

أقرأ أدرس أبحث أستدل ثم أعتقد، فلا أعتقد أولاً ثم أحاول التلاعب بالنصوص لأثبت ما هو مزروع في مخيلتي
ولا أجعل عقلي كالإسفنج يمتص كل شيء يقع عليه
إنما أجعله كالزجاج فما وافق الحق قبله وما خالفه عكسه
*****
بالنسبة لقولك واستفسارك:

(ولكن عرفنا انه هدم الكعبة المشرفةوقطع راس عبد الله بن الزبير وحرق قلب والدتهعليه دون شفقة أو رحمة ومات في سجنه الكثير من الأبرياء)
لقد كان موقف الحجاج من ابن الزبير اللائذ بالحرم وما تلا ذلك من اضطرار الحجاج لمهاجمته وضرب الكعبة بالمنجنيق - كما ذكرت أخت ساعة صفا – مثاراً لكثير من النقد لتصرفه حتى وقتنا هذا.
ولكن نظرة مجردة لهذا الموقف تبين لنا أن الحجاج لا يستحق شيئاً مما وجه إليه من لوم أو نقد.
والمشكلة تكمن في أن الناقدين استهوتهم منزلة ابن الزبير الدينية بصفة كونه أول مولود بعد الهجرة وابن بنت أبي بكر الصديق، يضاف إلى ذلك ما قيل عنه من كثرة تعبده!!
فتأثر الجميع بهذا ونظروا إلى ضرب الكعبة، ولم ينظروا إلى الظروف والدواعي التي دعت إلى ذلك من جهة أخرى، فاستكبروا على ابن الزبير أن تكون عليه تبعة في حوادث مكة فألقوها على الحجاج، ولو ناقشوا الأمر في ضوء غير هذا ونظروا غير متأثرين بما تأثروا به وربطوا به الحوادث بظروفها، لتبين لهم أن ابن الزبير كان خارجاً على الخلافة، وأهل الشام يعتقدون ذلك كما كانوا يعتقدون أنه يحل قتاله في أي زمان وفي أي مكان.
ويدلنا على ذلك أنهم لما علموا باستيلاء الحجاج على جبل أبي قبيس كبروا فرحاً وسروراً.
ولم يكن أهل الشام يعتقدون ذلك لوحدهم بل شاركهم أهل الحجاز في ذلك ممن كانوا يتذكرون الحديث( يلحد بمكة كبيش قريش)أو( ليحرقن هذا البيت على يد رجل من آل الزبير اسمه عبد الله) !!!!!!!!!!!!!!!!!
فالحجاج إضافة إلى مصلحته السياسية فقد كان يعتقد أن ابن الزبير خارج على الخلافة، يدلنا على ذلك أنه حينما كلمه جماعة من الصحابة في أن يكف المنجنيق حتى ينتهي الناس من الطواف، قال: (( إني والله لكاره لما ترون ولكن ابن الزبير لجأ إلى البيت، والبيت لا يمنع خالع طاعة ولا عاصياً، ولو أنه اتقى الله وخرج إلينا فأصحر لنا، فإما أن يظفر وإما أن نظفر، فيستريح الناس من هذا الحصر)).
ولعل الحجاج أخذ هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله، عندما أباح الرسول دم جماعة في فتح مكة، فأخبر عن بعضهم أنه متعلق بأستار الكعبة، فقال: إن الكعبة لا تعيذ عاصياً ولا تمنع من إقامة حدٍ وجب.
يؤيد ذلك قول الحجاج لأسماء أم الزبير يعد مقتل ابنها: أرأيت كيف نصر الله الحق؟ وإن ابنك ألحد في الحرم، وقد قال الله تعالى: (( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم)).
وفضلاً عن اعتقاده الشخصي فإنه كان نائب الخليفة وقائد جيشه، فكان لزاماً عليه أن يكون تحت إرادته، وهو لم يدخل مكة إلا بعد استشارته وإذنه له في الحصار، بل يروى أنه هو الذي أمره بالحصار.

يضاف إلى ذلك أمر هام يجب التنبه إليه وهو أن:
ابن الزبير أثار شعور المسلمين وأفزعهم عندما هدم الكعبة وبناها على أساس سيدنا إبراهيم عليه السلام، عملاً بحديث صح عنده سمعه من خالته عائشة، وبلغ من فزع المسلمين أنهم خرجوا هاربين إلى الطائف ومنى !!

وأما نصب المنجنيق وإصابته للبيت فإن هذا لم يكن عملاً قصد الحجاج، ولم يرد الحط من شأن البيت، وإنما كان ما فعله ضرورة من ضرورات الحرب نظراً لتحصن ابن الزبير ورغبة الحجاج في إخراجه منه.
وليس أدل على ذلك من أن الحجاج كان هدفه الزيادة التي زادها ابن الزبير وكانت سببا في إفزاع المسلمين.

أخت ساعة صفا: لا تخلو حياة الحجاج من سلبيات، ولكن ليست كما سمعناه من روايات أو شاهدناه عبر الفضائيات من حكايات تحاك حسب رؤى كتابها لغايات وأغراض لا يعلمها إلا الله.


=================

أما قصته مع سعيد بن جبير فيتوجب علينا أن نلقي الضوء عليها حتى تتوضح أمامنا الرؤى، وخاصة وأنها حصلت مع إمامٍ في جلالة وقدر سعيد بن جبير الذي يعتبر من أئمة الدنيا في التفسير ويكفيه شرفاً أنه تلميذ ترجمان هذه الأمة، وأنه مات وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج لعلمه.
لقد بايع ابن جبير بالخلافة لعبد الملك بن مروان مرتين مرة في مكة والأخرى في العراق بمحضر الحجاج الذي ولاه إمامة الصلاة، ومن ثم ولاّه القضاء، ولكن أهل الكوفة ضجوا بحجة أنه لا يصلح للقضاء إلا عربي، وعلى أثر ذلك استقضى الحجاج أبا بردة بن أبي موسى الأشعري، وأمره أن لا يبرم أمراً إلا برأي سعيد بن جبير، ثم أعطاه مائة ألف درهم فرقها في ذوي الحاجات، وجعله في سماره.

وبقي الحجاج معترفاً بفضل ابن جبير ومكانته العلمية، على الرغم أنه من الموالي، ولما خرج ابن الأشعث بالحملة الموجهة إلى زنبيل ملك الترك جعله الحجاج على نفقات الجند.

ولما خلع ابن الأشعث طاعة الحجاج كان سعيد بن جبير من الذين خرجوا معه وخلع طاعة الحجاج( وهنا يقول المؤرخون بأن ابن جبير وقع ضحية ابن الأشعث الذي أغراه بذلك- نظراً لمكانته – وذكر له مساؤى نسبها للحجاج حتى دخل معه على كره)
وفي إحدى المواقع أسر ابن جبير فلما جيء به للحجاج قال له الحجاج:
ويحك يا سعيد أما تستحي مني، ألا استحييت من المراقب لك والحافظ عليّ وعليك ؟!
فقال سعيد: أصلح الله الأمير وأمتع به، هي بلية وقعت وعذاب نزل، والقول كما قال الأمير وكما نسبه إليه وأضافه إليه إلا أني أتيت رجلاً قد أزهى وطغى ولبسته الفتنة وركب الشيطان كتفيه فإن تعاقب فبذنبٍ وإن تعفُ فسجية منك.
فقال له الحجاج:
فإنا قد عفونا عنك وسنردك إليه مرة أخرى، ثم كتب كتاباً وأرسل به سعيداً، فلما كان سعيد بالطريق حرق الكتاب وقدم على عبد الرحمن فأخبره الخبر.
وبقي معه ومازال مع ابن الأشعث حتى حدثت موقعة الجماجم وهزم من هزم وقتل من قتل، وأفلت فيها ابن جبير وهرب إلى أصبهان، فكتب الحجاج إلى عاملها القبض على الحجاج فلم يرق الأمر في نظر العامل فراسل ابن جبير طالباً منه ترك البلاد سراً، فتركها متوجها إلى مكة، وعندها أشار عليه بعض الناس بالهرب فقال: استحييت ولا مفر من قدر الله، وعندما ولي عثمان بن حيان المري المدينة بدل عمر بن عبد العزيز صار يرسل أهل العراق إلى الحجاج وكان منهم عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار -الذين عفا عنهما الحجاج- وطلق بن حبيب- الذي مات في الطريق- ومجاهد -الذي حبس حتى مات الحجاج- وسعيد بن جبير الذي قال له الحجاج عند ذلك:
يا سعيد ألم أقدم مكة فأخت منك البيعة؟ قال: بلى. قال: أما قدمت الكوفة فأخذت منك البيعة ووليتك إمامة الصلاة؟ قال: بلى.
ألم أولك القضاء فضج الناس وقالوا لا يصلح للقضاء إلا عربي فاستقضيت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري وأمرته أن لا يقطع أمراً دونك؟؟ قال: بلى.
أما جعلتك من سماري وكلهم من رؤوس العرب؟ قال: بلى.
أما أعطيتك مائة ألف درهم تفرقها في أهل الحاجة ثم لم أسألك عن شيء منها؟ قال: بلى.
وهكذا صار يعاتبه كما يعاتب الرجل ولده- كما يقول الذهبي في تاريخه:- فقال سعيد: إني امرؤ من المسلمين يصيب مرة ويخطئ أخرى، فطابت نفس الحجاج واطمأنت ورجا أن يتخلص من أمره.
من ذلك يتبين لنا: أن الحجاج لم يتجن على سعيد بن جبير كما يظن الكثيرون بل أكرمه غاية الإكرام وهفا عنه بداية عند خروجه مع ابن الأشعث، ولم يقتله إلا عندما قال سعيد: إنه كان في عنقي بيعة لابن الأشعث، فكأنه أحق بالخلافة من عبد الملك بن مروان القرشي، وذلك أمر لا يرضاه الحجاج ولا يقره، فرأى الحجاج أن ابن جبير قد نكث بيعتين له مقابل بيعة لابن الأشعث وهذا خروج على جماعة المسلمين يستوجب القتل.

هذه باختصار قصته مع ابن جبير التي يجب أن نقرأها بعيدا عن العواطف والاعتبارات الأخرى وتبعا للزمن الذي حدثت فيه؛ حيث كان يضج بالفتن والثورات التي كادت أن تقضي على كيان الأمة.

الأخ قسورة: ليس الحجاج ملاكاً أو نبياً معصوماً، لا ليس ذلك، ولكنه بالمقابل ليس ذلك الشيطان المارد، ولا الجبار المتغطرس، ويكفيه ما قدمه من حسنات باقية إلى يوم الدين، ولا يستطيع أحد إغفالها.
تحياتي لك والشكر لمرورك وتعقيبك العطر

=================
ان الحكم يستلزم القوة والحزم ولكن ليس بهذه الصورة البشعة وما فعله الحجاج من فتوحات ونشر الاسلام الى ديار الاندلس طغت علها صورة بشعة من قسوته وجبروته))
طغيان الصورة البشعة هو ما أوصله لنا المغرضون، كما أوصلوا الصورة عن الرشيد بأنه رجل ماجن، ولكن – صدقي- قراءة عابرة للتاريخ ستجعلك تعيدين النظر في بعض الأمور، لا أقول أن الحجاج ملك من الملائكة، لا، ولكنه أيضاً ليس ذلك الشخص الجبار الطاغية المزروع في مخيلتنا، ويكفيه أن شرّفه الله بفكرة تنقيط القرآن التي تعتبر صدقة جارية إلى تاريخ اليوم.
أخت ساعة صفا:
تخيلي وضع العراق في ذلك العصر وما صاحبه من فتن وثورات وقتل لأشرف الناس دون تمييز بين أحد( كما فعل بالحسين ومصعب) وعندها ستدركين أن الحجاج كان قضاء الله وقدره على أهل العراق الذي قوم به أهل العراق وجعلهم يعيدون النظر في كثير من الأمور، وكما يقال: (( أدّب المربوط يتأدب السائب)).
وأرجو أن تعيدي النظر في كل ما كتبته سابقاً، نقطة بنقطة وحرف بحرف، بتمعن وتخيلٍ للوضع، وعندها أظن بأن شيئاً من الحقيقة سيزمع أمام عينيك، كما حدث مع الأخت القدس الحزينة في مداخلتها في هذا الموضوع، بعد تأملها للواقع وبحثها عن الحقيقة.
وأتركك الآن مع هذا الحديث النبوي الذي أخرج مسلم في صحيحه، لتدركي أن الحجاج ما فعل ما فعله عن فراغ:

(( إنه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان ))
والأحاديث النبوية في هذا المجال كثيرة

هناك تعليق واحد:

  1. انا لا أحب التعليق قبل أن أقرأ كتابك وأعدك سوف أقرأه بإذن الله

    ردحذف